الصفحة الرئيسـية  

 

     
 

مرافعة السيوف

ـــ

الإهداء:

إلى السيوف الوطنية المكبلـة

أثناء الغـارة الأمريـكية على

طرابلس وبنغازي عام 1986

ـــ

(1)

تاج من الأسمنت،

بيت للخراب، وساحة للنرجس الضاري، ودار الحرب،

أرواح مشردة، وأفراح ترفرف في هواء راكد،

صور لأحلام من الفتيات،

صرخات مجمدة على الجدران،

سفح للتوهج والنحيب،

وما تبقى من زحام في المدينة،

ما تبقى من سماء في الزحام،

حرب الرياح مع الرياح على ركام الوهم،

زئبقة لهذا الليل في سوق التفجع والكلام.

 

(2)

هذا المكان مفازة تفضي إلى الواحات،

شمس أفلتت منها فظاظتها،

وشكل حرائق البحر المغازل رقة الصحراء،

ذاكرة العيون المستباحة للظلام،

هذا المكان بلادنا،

كم من مساورة لحب متعب تمت على باب المعسكر،

كم بكاء جاء يجلس تحت أقدام الجنود محملا بالصبر والتبغ الردئ،

هنا ملاجئ للقصائد والحام،

صدع المدينة يبتدي من هاهنا:

يمتد أفق نافر حتى انكسارته على أبوب هذا السور:

معتقل يلملم حلمه بعد إنتهاء الحفلة الأولى من التعذيب،

- لا تقلق،

فنحن الحالمين على ضفاف الشمس لا نخشى اللهيب

 

(3)

يشتد صمت غائر فينا:

طرابلس التي ما ودعتنا أو غلت في جرحنا،

هذا الهوى من أجلها جرحان،

جرح للغزالة والشرود التي تهللها معي يوما،

وآخر مبحر لنهارها المغزول من وجع الحبيب

يرتد فينا صوتها فذا ومندغما بنا،

وهي الحبيبة، لا تبوح لنا بما وشم الزمان على نضارتها من الآهات،

لا تشكو،

ترمم صدعها سرا بعيدا عن عيون القائد الدموي،

تمسحنا بعينيها لتشعل في هشيم نفوسنا زهر القرنفل،

ياغزالة، أننا نهواك،

زورينا كثيرا في ليالي العسف، حتى ينتشى خداك في أعماقنا، وتبرعم السنوات وعدك في مواجعنا، نسير إليك نزفا،

واللجام مهانة للخيل،

سافر في جنون عروقنا دمع البراري،

والرياح تسوق افراسا بأعراف إلى أشواقنا،

وتصب شعرك فوق جهد وجوهنا،

هل ساحل عيناك؟

أم دمع مآقينا؟

تدور الأرض فينا حين يصهل فجرها في ومضة من رمشك السحري،

قولي يا فتاة البحر،

من يهواك أكثر من طفولتنا على زنديك؟

هذا الناي؟

أم طبل من الصحراء؟

عشب اللمسة الأولي لنهدك شب في شهواتنا حتى اختنقنا بالندى،

انا فحول النار،

نرسل حبنا في الأرض مستنيرا إلى أن يلتقيك، يدغدغ القدم الصغيرة حينما تغفو المدينة في بكارتها، وتهجر ساحة لا تنتمي لدموعها.

 

(4)

يعد فينا صوتها،

دمعا تحجر في عيون الأمات

وصار يجنح للغضب،

تعب الحنان من البكاء،

تعب البكار من التعب،

السجن يكبر في التراب كأنه فطر ويصغر في جوانحنا كمحبة سمسم،

فيزيد عشاق، وتخسر نظرة الجلاد رهبتها،

وما كنا لنوقد شمعة لولا اتقادك،

يا غزالة غردي احلامنا في كل عرس في المدينة،

إن عطرك في أغانينا يهيؤنا لندخل جولة أخرى من التعذيب،

ما عقد من السنوات،

انا جاهزون لألف عام في غيابات الهوى،

- هذى بلادي،

لا تضعها تحت عقب حذائك الهمجي

هذى بلادي،

قف، ولا تقسر شماريخ النخيل بها على علب امبراطورية "البارانويا"

كم ثرثرت عند سريرها بضجيجك الداوي

وما سريت عنها،

وهي تحملني من النيران للنيران كي يشتد رمحي عندما ألقاك،

كم غازلت غرتها، وما ابتسمت سوى لعذوبتي،

 

(5)

باق هنا،

باق على أبواب هذا الليل اشعله ليصبح كرنفالا

باق على كوم من السنوات اغزلها بأنات الجحيم الفذ وردا واشتعالا،

كوني دما يا شهوة الكلمات،

كي ترضى الغزالة عن قصائدنا،

ويلمع حرقنا عند اتكاءتها الأنيقة،

يا طرابلس التي شهرت أحبتها بوجه الريح والزيف

الذي يعلو على الخلق العصى،

ووشة البوليس،

والقصف المعادي،

إنا سيوفك يا بلادي،

هاهنا، نختال في أغلالنا،

والليل يجبرنا على غمد من الجدران حتى لا يطال السيف أعداء تخفوا عند بابك، فاذكريهم،

وأذكري أنا هنا طرنا إليك،

جناحنا غضبً

أصابعنا شموع الانتصار،

ـــــ

سجن أبو سليم

أبريل 1986